بقلم مصطفى طه باشا
الثّورة في سورية؛ بدأت شرارتها بالاعتقال,
واستمرّ الاعتقال خلال فتراتها, والآن؛ إن قلنا في نهاية الثّورة – ولا نهاية
للثورات - فإن أهم ملفاتها, هو ملف المعتقلين والمختفين قسرًا في السجون والمعتقلات.
تُشكّل قضية
المعتقلين والمختفين في سورية, هاجسًا وكابوسًا لآلاف البشر, الذين يعانون من ألم
الفقدان والاختفاء, لعشرات الآلاف من ذويهم المعتقلين والمختفين بشكل قسري, منذ
ثمانينات القرن المنصرم وحتى يومنا هذا, إلاّ أنّ أعوام الثورة السورية؛ شهدت اعتقال
واختفاء النسبة الأكبر منهم خلال ثمانية أعوام مضت, وإذا قمنا بوضع نسبة للأطراف
التي تتحمل مسؤولية اختفائهم واعتقالهم وفقدانهم, فإن النظام السوري يتحمل نسبة
تسعين بالمئة من هذه المسؤولية, فيما تتوزع العشرة بالمئة, ما بين فصائل المعارضة
المسلحة, والأكراد وقطاع الطرق, وفئات المجتمع الأخرى.
القتل والسجن
والاختفاء قسرًا, من عوامل انهيار الشعوب وتفككها, اجتماعيًا, ونفسيًا, فالشعب
السوري عبر تاريخه, عُرف بتماسكه, قوته, وتعاضده, إلاّ أنّ النظام لعب على حبل
تشتيت العقول, وتفكيك الأسرة في المجتمع, فكان الحل باعتقال آلاف الأشخاص المدنيين,
وتغييبهم عن أهلهم وأحبتهم, ليزرع الألم والخوف والزعر في صفوف العامة, من أجل أن
يُمسك بيد الشعب التي تؤلمه, وهي يد العاطفة ( الجانب الروحي والنفسي ) وكي يحافظ
على مكاسبه السياسية والاقتصادية في البلد, لذلك اعتمد على أسلوب القوة والعنف
والاستبداد, وكان الاعتقال والسجن من ضمنها.
الاعتقال
قبل الثورة وبدايتها:
تعود قضية
المعتقلين والمختفين في سورية, إلى فترة الثمانينات ( الإخوان المسلمين ) فقد قامت
قوات النظام باعتقال الآلاف وزجهم في السجون والمعتقلات, فكلُّ من عارضهم ووقف في وجههم,
تم تغييبه بتهمة الانتماء لتنظيم الإخوان, منهم من عُرف مصيره ومنهم من اختفى في
ظروف غامضة, حيث لا يوجد أخبار عنه حتى يومنا هذا, فكانت السجون تغص بالأبرياء منذ
عشرات السنوات, والأهالي؛ لا حول لهم ولا قوة ولا صوت, فصوت السلاح والطغيان
والاستبداد طغى على الجميع, ولكن النفوس ممتلئة ومشحونة ضد نظام الحكم منذ ذلك
الوقت.
جاء الربيع العربي, وانتفض الشعب في سورية, وكانت شرارة الثورة وسببها؛ الاعتقال, ولكن اعتقال تعسفيّ بحق أطفالٍ أبرياء, هم أطفال درعا - اعتقال 18 طفل من مدرسة الأربعين في مدينة درعا - حيث قاموا بتعذيبهم وإذلالهم خلال فترة الاعتقال التي استمرت 45 يوم, وعلى إثرها انتفض الشعب في عموم سورية, وبدأت المظاهرات والاحتجاجات, ولم تهدأ الثورة بعدها, بل زاد نارها وغليانها, بسبب اتخاذ النظام من الاعتقال وسيلة وسلاح, كي يواجه به إعصار الثورة الذي عمّ البلاد كلّها.
جاء الربيع العربي, وانتفض الشعب في سورية, وكانت شرارة الثورة وسببها؛ الاعتقال, ولكن اعتقال تعسفيّ بحق أطفالٍ أبرياء, هم أطفال درعا - اعتقال 18 طفل من مدرسة الأربعين في مدينة درعا - حيث قاموا بتعذيبهم وإذلالهم خلال فترة الاعتقال التي استمرت 45 يوم, وعلى إثرها انتفض الشعب في عموم سورية, وبدأت المظاهرات والاحتجاجات, ولم تهدأ الثورة بعدها, بل زاد نارها وغليانها, بسبب اتخاذ النظام من الاعتقال وسيلة وسلاح, كي يواجه به إعصار الثورة الذي عمّ البلاد كلّها.
الاعتقال أثناء الثورة:
بدأت قضية المعتقلين والمختفين تزداد وتكبر في
كل المحافظات السورية, بعد توسع الاحتجاجات والمظاهرات, وبسبب فقدان السيطرة على
المدن والقرى, لجأ النظام لاعتقال المدنيين؛ من أجل إخماد الثورة وإطفاء لهيبها,
الذي امتد وعمّ كل البلاد, ليصل عدد المعتقلين في سجونه ومعتقلاته وأقبية مخابراته
لعشرات الآلاف " أحصت منظمات حقوقية في يومنا هذا أكثر من ثمانين ألف حالة
اعتقال, تم توثيقها خلال فترات الثورة " ورغم أرقام المعتقلين الكبيرة, إلاّ
أنه لم يُعرف سوى مصير المئات منهم, فيما عشرات الآلاف لا يزال مصيرهم مجهول حتى
الآن.
وذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها نشر في 7 شباط 2017 بأنّ النظام السوري " قام بتنفيذ إعدامات جماعية سرية شنقًا بحق 13 ألف معتقل, أغلبهم من المدنيين المعارضين، في سجن صيدنايا قرب دمشق خلال خمس سنوات من النزاع في سورية " وتحدثت منظمة العفو الدولية, في تقرير آخر عن وجود إبادة ممنهجة بحق المدنيين في المعتقلات لدى النظام, حيث كان يتم اقتياد مجموعات من المعتقلين – عددهم بين الخمسين والستين شخص – إلى خارج سجن صيدنايا وشنقهم في كل أسبوع مرتين أو ثلاثة, وبحسب منظمة العفو الدولية, فإنّ النظام قام بشنق أكثر من 13 ألف مدني معارض للنظام والحكومة, كانوا قد اعتقلتهم خلال أعوام الثورة وزجتهم في سجن صيدنايا, والذي يُسمى بالمسلح البشري.
وذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها نشر في 7 شباط 2017 بأنّ النظام السوري " قام بتنفيذ إعدامات جماعية سرية شنقًا بحق 13 ألف معتقل, أغلبهم من المدنيين المعارضين، في سجن صيدنايا قرب دمشق خلال خمس سنوات من النزاع في سورية " وتحدثت منظمة العفو الدولية, في تقرير آخر عن وجود إبادة ممنهجة بحق المدنيين في المعتقلات لدى النظام, حيث كان يتم اقتياد مجموعات من المعتقلين – عددهم بين الخمسين والستين شخص – إلى خارج سجن صيدنايا وشنقهم في كل أسبوع مرتين أو ثلاثة, وبحسب منظمة العفو الدولية, فإنّ النظام قام بشنق أكثر من 13 ألف مدني معارض للنظام والحكومة, كانوا قد اعتقلتهم خلال أعوام الثورة وزجتهم في سجن صيدنايا, والذي يُسمى بالمسلح البشري.
اعتقل النظام خلال الثورة عشرات الآلاف من
المدنيين, الذين عارضوه وخرجوا في مظاهرات ضده, وكانت سجونه تكتظ بالمعارضين,
ونتيجة العدد الهائل للمعتقلين داخل السجون, فقد وصل عدد المعتقلين في الزنزانة
الواحدة لأكثر من خمسين شخص – بحسب إفادات بعض المعتقلين الذين تم إخلاء سبيلهم - وهي
تتسع في الحالة الطبيعية لثلاثين فقط, وهذا الأمر من ضمن سياسة النظام, التي
اتبعها في التعذيب والإذلال, ولا يوجد أداة تعذيب أو وسيلة, إلا قام بها وطبّقها
على المدنيين, في فترة الاعتقال وأثناء التحقيق معهم, وهذا الأمر كان له نتائج
كارثيّة على الأشخاص الذين تم إطلاق سراحهم, فقد تأثروا نفسيًا وجسديًا, فمنهم من
فقد بعض أعضائه وحواسه, الأمر الذي سيؤدي لعيشه ضمن ألم نفسي طيلة حياته, وأغلب
الذين خرجوا من المعتقلات, تحدثوا عن حالات مأساوية داخل الزنزانات؛ من أمراض
نفسية وجسدية بين المعتقلين, الذين يعانون من كل شيء حتى من نقص الأوكسجين في بعض
الحالات, نتيجة الاكتظاظ داخل المهاجع والسجون.
المرأة السورية
والاعتقال:
كانت المرأة السورية حاضرة بقوة
في الثورة, ولم تكن عابر سبيل عليها, بل كانت رقمًا صعبًا, ولعبت دورًا مهمًا في
ميادين الثورة, سواء في الحراك الثوري كالمظاهرات وكتابة الشعارات, أو في الصحة والطبابة,
أو في المجالس المحلية والإغاثة والتنظيم, لذلك نالت نصيبها من الاعتقال, وكانت
ورقة رابحة في يد النظام, يستخدمها ضد المعارضين والمناهضين له, باعتبارها تُمثل
الشرف والكرامة للأحرار.
استخدم النظام المرأة المعتقلة
في المساومة, وتبادل الأسرى مع المعارضين, الذين بدورهم أسروا العديد من ضباط
النظام وعناصره المهمين لديه – وهنا نقصد الضباط والعناصر من الطائفة العلوية –
ولذلك تم الإفراج عن مئات النساء, مقابل ضباط النظام وعناصره, الذين تم تسليمهم في
تبادلات حصلت في السنوات الأخيرة, ومازالت تتم حتى الآن برعاية دولية, وصرّحت بعض
المنظمات والهيئات المدنية؛ بأنه تم اعتقال وسجن أكثر من 14 ألف امرأة, من قبل
النظام السوري خلال الثورة, فقد ذكرت غولدن سونماز, محامية وناشطة حقوقية دولية والتي
نظَّمت قافلة الضمير النسائية " نحو 14 ألف امرأة تعرَّضن للسجن على يد
النظام السوري, وأن معظمهن لقين حتفهن بسبب التعذيب والانتهاكات "
تتعرض النساء في السجون, لشتى
أنواع التعذيب والترهيب والانتهاكات الجسدية والجنسية والنفسية, ما أدى لحدوث
صدمات نفسية بالغة الأثر عليهن, نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له, وهذا الأمر غيّر
أحوالهن, سواء في السجن أم خارجه - في حال تم إطلاق سراحهن - فقد عانين في
الاعتقال بسبب التعذيب الجسدي والخوف النفسي من الاغتصاب أو من الاغتصاب في حال
حدوثه - وقد تم اغتصاب عشرات النسوة المعتقلات - والتفكير فيما بعد السجن, وما
ستكون نظرة المجتمع إليها, كل هذه العوامل, جعلت المرأة تعيش حالة زعر وخوف نفسي,
أدى لحدوث صدمات نفسية, تحتاج لسنوات من الاهتمام والرعاية الصحية كي تتجاوزها,
وهنا لابد من ذكر ولاء أحمد, معتقلة سابقة لدى النظام, حيث قامت بتأسيس منظمة خاصة
للنساء المعتقلات – منظمة أطلق سراحي – تستهدف المرأة بعد تحريرها من الأسر, وتُقدم
لها الدعم النفسي والصحي والتعليمي.
اعتقال غير السوريين:
شهدت فترة الثورة السورية, النسبة
الأكبر من الاعتقال والاختفاء بحق المدنيين, فقد اعتقلت قوات النظام مئات الآلاف ولم
تقتصر الاعتقالات على السوريين, بل تعداها لجنسيات عربية, فقد ذكرت المنظمات
الحقوقية والوكالات؛ بأن تقارير وملفات خاصة تم تسريبها من داخل أجهزة الأمن
والمخابرات السورية, تتضمن أسماء ومعلومات ما يزيد عن مئة مواطن عربي, تم اعتقاله من
قبل قوات النظام في سورية, خلال الثورة السورية, وكانت تضم القائمة, جنسيات مصرية
وسودانية وفلسطينية ومغربية وليبية وأردنية ولبنانية, ولم تذكر الوكالات والمنظمات
الحقوقية, تفاصيل إطلاق سراحهم, أم استمرار اعتقالهم حتى الآن.
ملف الاعتقال الآن, هو الملف المُسيطر على الاجتماعات والمؤتمرات
الدولية, التي تُعقد من أجل سورية, وأهم قضية تشغل عقول وجوارح السوريين, بسبب
اعتقال واختفاء عشرات الآلاف دون أي خبر عنهم, لذلك زادت المطالبات بضرورة إيجاد
حل لهذه القضية, التي تعتبر هاجس ومصدر خوف لعشرات الآلاف من العوائل في سورية.
من يتخيل أن تنتهي حياته بين أربع جدران,
وأن تمضي الأيام والسنوات في غياهب السجون, من منّا كان يحلم بهذه الحياة البائسة
التي لا حياة بها؟
لكن الأمل بالحرية يبقى صديق المعتقلين,
الذي يتمسكون به ويعيشون معه, وهو الذي يبقيهم على قيد الحياة رغم معاناتهم
وظروفهم, وهذه الحرية أمل ذويهم, الذين ينتظرونهم خارج السجون, وستبقى الثورة
مشتعلة, حتى إطلاق سراح آخر معتقل من السجون.