JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

عندما تموت الروح .. قصة قصيرة



   بقلم : أ. مصطفى طه باشا

مسكَ الهاتف النقال, وبدأ يكتب وصيته - لعل أحدًا بعده يقرأها عندما يموت - ويداه ترتجف خوفًا وخشيةً من شيء قد يصيبه أو أصابه, فبعد أن غفى لساعةٍ من الزمن - عصر ذلك النهار - استيقظ ووجد كتلةً صغيرةً في رأسه, وعلى الفور أحسّ بالخوف والعجز من المجهول, المجهول المُغلف بالخوف الذي يمكن أن يُصيبه جراء تلك الكتلة الصغيرة, فبدأ برد فعل لا إرادي وأصابه خوف شديد من أن يفقد حياته .. حياته التي كاد يفقدها أكثر من مرة, و التي انتشلها من تحت أنقاض الحرب في بلده, بلده الذي غادره, وذكريات الموت والدمار بقيت مرافقة له أينما اتّجه أو ذهب, فبينما كان في بلده قبل أن يغادره مُجبرًا, تعرّض للقصف والقذائف لمراتٍ عدّة, والتي كادت تودي بحياته, ولعل الإحساس الأخطر المُسيطر عليه, عندما أحسّ بأنه فقد روحه, روحه التي لم يعد يشعر بها, فالموت ( الحرب ) خطف منه أعزّ أحبابه, والدته وأخته الصغرى, وهما تُعتبران آخر شيء بقي له في هذه الحياة, بعد استشهاد والده وأخاه, ولتكتمل معاناته وألمه وتبلغ عنان السماء, فلم يستطع انتشال جثتهما من تحت الأنقاض التي باتت قبر لهنّ, فبعد فقدان الأمل من انتشال جثتهما بعد بحث طويل, استمر لأكثر من أسبوع, لم يسمح لهم بأن يزيلوا الأنقاض, ووضع فوق الدمار والأنقاض شاهدة ( لافطة ) كتب عليها : هنا قبر أمّي وأختي, وترك الشاهدة أمانة في أعناق من بقي في بلده وأوصاهم بأن لا يقوموا بإزالتها وأنه يريد بقاء الأنقاض والدمار, وبعدها غادر بلده ولم يعد حتى الآن, لذلك شعور الموت لا يفارق مخيلته, وبات يخاف منه ويكرهه, لأنه خطف أمه وأخته ولم يستطع توديع جثتهما أو دفنهم, رغم أنه يعلم في قرارة نفسه بأنه لا مفر من الموت, وأنه راضٍ بقضاء الله وقدره ولكن الشعور النفسي لديه بات مريض وهشّ, ولم يعد قادر على مواجهة ومقاومة الخوف, فحينما يتذكّر أنقاض بيتهم وأنّها باتَ قبر لأعز أحبابه يشعر وكأن الخوف يُسيطر عليه ويلفّ حبل حول عنقه ويحاول قتله, فمعاناته النفسية كبيرة, وألمه الداخلي مسيطر على تفاصيل حياته, ولم يستطع التخلص منه أو انتزاعه من مُخيلته.

 مُخيلة أغلب السوريين محفورة بالموت والخوف, فهم يعيشون تحت وطأة القصف اليوميّ, فلا الحياة حياة ولا الموت موت, وأرواحهم ماتت قبل أن تموت, ومشاعرهم تدور في حلقة واحدة؛ هي حلقة الموت, الموت ولا شيء سواه.

الاسمبريد إلكترونيرسالة