JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

مسمار " قصص في القلبِ وطنٌ "



بقلم أ. مصطفى طه باشا

سقطَ سميحُ أرضًا والدماء تنزف من جسده، تغيرت ألوان ملابسه إلى اللون الأحمر، لم يتحرك بعدها، ابتعد صوت الطائرة وأعلن الغبار الرحيل عن مكان المجزرة، ركضنا باتجاه الحدث وعندما وصلنا، لم أعرف ماذا سأفعل وكيف سأتصرف والدهشة قيدتني، تجمدت وكأن مسمار قد دق بأقدامي ولم أتحرك من مكاني، أصابني الذهول وطارت مخيلتي إلى أحداث ماضية، أحداث جرت قبل عدة سنوات، فقد كنا نلعب ونمرح في نفس المكان، على هذا الكورنيش، كورنيش نهر العاصي، فبلدتنا يمر بمنتصفها نهر العاصي وتحيط الجبال بها لتشكل لوحة من لوحات الطبيعة التي فقدنا لذتها، كنا نحاول أن نقنع أهلنا بأن الدم قد غطى أجسادنا، كنا نضع " التوت الأحمر البري " على أجسادنا عند عودتنا من السباحة ..
وهنا على مسرح المجزرة نعم على هذا الكورنيش كنا نتشاقى ونلعب ونسبح، فقد كنا نذهب للسباحة وقت الظهيرة عند اشتداد الحر وكانت هناك شجرة توت بري قرب النهر،  كنا نتسابق للنزول للماء والقفز من الكورنيش وحين نخرج منها نتمدد على الكورنيش لننعم بدفء أشعة الشمس وعند انتهاء السباحة كنا نتمازح ونمسح أجساد بعضنا بالتوت الذي يسيل أحمر كالدم حين نقوم بمعسهِ على أجساد بعض, فيبدو كأنه دم قد نزف من أجسادنا .. كنا نتحايل ومرات كثيرة نقوم بالتمثيل كي يبدو حقيقيًا ليصدق كل من يرانا بأننا ننزف دمًا.
استيقظت من ماضييّ على دهشاتِ الواقع التي تصعقني وتحاول خطف مخيلتي، وبين حلم الأمس وهو يغادر بحرقة من ذاكرتي، وأنا أترنح من شدة الألم، الألم الذي لم استطع تحمله، فقد مات سميح نعم مات الذي كان معنا ذاك النهار، كان يلعب في نفس المكان نفس المكان الذي استشهد فيه.
 رغم استيقاظي من الماضي الجميل واصطدامي بأحجار الواقع الأليمة، إلا أن المسامير لم تفارق أقدامي وتركتني أترنح بمكاني وكأنني تلك الصفصافة قرب نهر العاصي ذات الجذع الكبير والأوراق اللينة التي تتمايل مع نسمات الريح.
لم يكن يخطر على بالنا ونحن صغار بأن الدماء ستكون بدل ملابسنا وأنها ستغطي أجساد صغارنا قبل كبارنا، لم نكن نتخيل هذا أبدًا فلم يكن في ديارنا وجلساتنا إلا الحب والسعادة وكل شيء جميل.
أدركت بعدها بأن في كل بلدة وقرية في كل مدينة هناك آلاف الأطفال الذين روت دماؤهم تراب الوطن ليزهر حب وأمل وتجدد.

الاسمبريد إلكترونيرسالة