JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الأم وما أدراك ما الأم " قصص في القلبِ وطنٌ "




بقلم أ. مصطفى طه باشا

 أمي, ضحّت وكافحت بل وقاتلت في سبيل دراستي وعدم تركي للمدرسة, فبعدما وصلتُ إلى الصف التاسع وقد كان أغلب أقاربي من أبناء أخوالي وخالاتي لم يتخطوا الصف الثامن ولم يكن التعليم رفيقهم بل اختاروا العمل بالمهن بدلًا من الدراسة, أصبت بداء الغيرة منهم وعنّت في فكري ومخيلتي بأن أترك المدرسة, والتحق بعمل ما, كما فعل رفاقي وأقاربي, وأصررت على ترك المدرسة ولكن أمي في كل مرة تصرخ في وجهي قائلة " سأخرب الدنيا فوق رأسك إن تركت المدرسة أو إن فتحت الموضوع مرة ثانية " وفي إحدى المرات قررت ترك الدراسة والمدرسة بشكل نهائي  والالتفات للحياة والعمل في إحدى المهن - ولكن أمي لم تشعر بالملل والتعب من رغبتي الجاهلة والمفعمة بالمراهقة والطيش – فقلت لأمي بعد أن وجدت عمل في إحدى المحلات : " غدًا لن أذهب للمدرسة لقد مللت منها ووجدت عمل عند أبو محمد "  فقالت لي بغضب وبلهجة زجر صارمة " سأغضب عليك حتى يوم الدين إن تركت المدرسة ولن أتكلم معك مرة ثانية" عندما سمعت كلمات أمي وصراخها علي, وأنها ستغضب علي, التزمت الصمت ولم أفتح موضوع العمل أو ترك الدراسة مرة أخرى, رغم أني لم أكن أعي ما تعني المدرسة, وكنت مراهق طائش تأثر بنظائره من الأولاد.
 أكملت الصف التاسع وبعدها حصلت على الشهادة الثانوية, ومن ثم أكملت الدراسة الجامعية, وتخرجت من كلية الآداب, والآن أمارس مهنة التدريس كمعلم وأيضًا أعمل كاتب صحفي في مجال الصحافة, ولولا فضل أمي وصبرها علي وعلى رغبتي الطائشة المتهورة, لما استطعت أن أصل لما وصلت له, ولما استطعت أن أخطّ هذه الكلمات التي مازالت محفورة في ذاكرتي, والتي لن أنساها ما حييت.
 كان دور أمي, حازمًا, صارمًا, قويًا, ولا يخلو من الشراسة في توجيهي وبمختلف الطرق واللهجات, كي تصل بي لما فيه خير لي, وقصتي تعتبر من بين ملايين القصص التي كان للأم دور في توجيهها وتصحيح مسارها نحو الطريق الصحيح.

ولكن من المفارقات العجيبة في الحياة, مقارنة الأم أو الأنثى بالرجل, أو محاولة إرضاءها بأنها نصف المجتمع, فالأم أو الأنثى هي المجتمع بحد ذاته, فصلاح وسلامة المجتمع تعتمد على الأنثى ودورها الجبار في الحفاظ على بيتها وأسرتها ومجتمعها وبلدها من التفكك والانحلال والتخلف والضياع, فهي أساس لتطور ونهضة ونجاح أي مجتمع في العالم.
الاسمبريد إلكترونيرسالة