بقلم أ. مصطفى طه باشا
لا تخلو عائلة في سورية من الشتات والتفرّق والاغتراب, فكل العائلات في سورية تفرقت في شتى بقاع الأرض, متناثرين هنا وهناك, وحده الشوق والحنين إلى لمّة الأهل, وسهرات الأقارب والجيران, هي التي تكسر ضهر الجميع, ولعل الأحداث الماضية في سورية؛ كانت سبب لهجرة الملايين من الشعب, حيث لم تسلم عائلة في سورية من التشتت والغربة.
لكن في ظل تطور العلم والتكنولوجيا, بات الكل داخل الكل, ولم يعد أحد يشعر بالغربة كما كان في السابق, فقد جمعت مجموعات الواتس أب لمّ شمل العوائل السورية تحت سقف غرفة الكترونية يمرحون ويسهرون ويتسامرون فيها, وكأنهم مع بعضهم كما في الأيام الماضية , بل زاد تواصلهم مع بعضهم البعض حيث بات تواصلهم على مدار 24 ساعة, يتبادلون فيها يومياتهم وتفاصيل حياتهم, وخاصة لمن هاجر أو نزح لبلد آخر وعادات وثقافات جديدة.
عدنان رجل في الخامسة والخمسين من عمره, مغترب في السعودية هو وأولاده الخمسة, بعيد عن إخوته الثمانية منذ اندلاع الثورة السورية, حيث لم يرَ إخوته منذ تسع سنوات, وهو قبل اندلاعها لم يفارقهم لأكثر من يومين اثنين, بعد اختراع الواتس أب والمجموعات, قاموا بإنشاء مجموعة للعائلة حيث ضمّت كل الإخوة والأخوات, وحاليًا يتسامرون ويتفاعلون مع بعضهم على مدار 24 ساعة .
يقول عدنان "
لقد كنا نسهر قبل الأحداث بشكل شبه يومي ولم نتخيل أنفسنا بعيدين عن بعضنا البعض
"
وأضاف عدنان بأن
التكنولوجيا قرّبت المسافات ولمّت العائلة وكأنهم مع بعضهم " في الواتس أب لم
نشعر بالغربة أبدًا وخاصة بعد اختراع المجموعات حيث الجميع موجود بنفس الوقت
وكأننا في مجلس واحد "
وختم عدنان بأنه
يتمنى عودة الزمن للماضي, كي تعود السهرات واللمّات فيما بينهم على أرض الواقع
" يا ريت ترجع حياتنا مثل السابق وترجع سهراتنا مع بعض .. اشتقنا للقاء حقيقي
واقعي بعيدًا عن الشاشات والانترنت "
وفي نفس السياق تعاني
سلمى ألم الغربة والنزوح, وهي مغتربة سورية في تركيا منذ العام 2012 تعيش مع
أطفالها الثلاثة وبعيدة عن أهلها وأخوتها, تقول سلمى " لم أرى أمي وأبي
وأخوتي منذ سنوات وأنا في شوق كبير لهم "
وذكرت أيضًا "
لولا الانترنت والواتس أب والحديث معهم عبر الفيديو والصوت لكنت ميتة الآن أو
أعاني من مرض نفسي بسبب البعد عنهم "
وأضافت " هذا
حال أغلب السوريين في الغربة لا يوجد لقاءات ولا روابط أسرية وحتى صلة الرحم باتت
عبر الانترنت في هذا الزمان فكل الأقارب بعيدين ومشتتين في كذا دولة ولا سبيل
للتواصل إلا عبر النت والواتس اب "
وختمت سلمى حديثها
" قبل أن نأتي لتركيا لم نكن نفارق الأهل أبدًا وكان أبعد لقاء لنا أسبوع أو
أسبوعين والآن بات على آخر لقاء لنا أكثر من ثمان سنوات والله أعلم متى سيكون
اللقاء ولقد اعتدنا على ذلك بل أصبحنا بلا مشاعر أو ربما ماتت مشاعرنا وقلوبنا بسبب
الغربة والأحداث والحرب التي مرّت علينا "
وفي حديث مع معتصم, شاب
في العشرين من عمره, وهو لاجئ سوري في المانيا منذ عام 2014 تغرّب وابتعد عن أهله
وهو في سن مبكر, وبعد السؤال عن تحمله للغربة والبعد عن أهله وهو مازال صغير, أجاب
" لقد عانيت كثيرًا وفي إحدى المرات فقدت صوابي وكدت أصاب بمرض نفسي فعندما
أتيت إلى المانيا لم أكن أعرف شيئًا حتى التواصل مع الناس احتجت سنة كي اختلط
بالمجتمع هنا ورويدًا رويدًا تأقلمت على العيش هنا وأصبح لدي أصدقاء ومعارف كثيرين
ولكن هذا الأمر لا يغني عن الأهل وخاصة الأم فبعد كل حديث معهم يضيق صدري وأبكي
لساعات على فراقهم وأيضا على أوضاعهم السيئة جدا في سورية "
وأضاف معتصم "
لكن رغم الغربة والبعد عن الوطن والأهل لا يمكن أن أنكر بأنني تعلمت أشياء كثيرة
هنا واستفدت منها وأنا حاليا أعمل وأتعلم ووضعي المادي جيد مقارنة بغيري "
وتبقى الحقيقة
واللقاء وعناق الأحبة أشد تأثيرًا من الانترنت ولو عوضتنا عن اللقاء الواقعي, لأن
الجلسات الحقيقية - بعيدًا عن العالم الافتراضي - لها تأثيرها ووقعها الخاص في
النفوس والقلوب, أكثر تأثيرًا من الشاشات والعالم الافتراضي, ولكن رغم الغربة والبعد
التي يعانيها السوريين في العالم, إلا أنها تبقى أخف ألمًا ومرارة من الأوضاع
الإنسانية الصعبة التي يعيشها السكان داخل سورية وخاصة في المناطق المحررة
والحدودية, وأيضًا ضمن مناطق النظام لا تخلو العيشة من الصعوبات المادية والغلاء
والبطالة وانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار, وهذا كله بسبب استمرار
النظام بعملياته العسكرية ونسيان احتياجات الشعب والسكان.
وهنا لابد من
التساؤل؛ إلى متى سيستمر صبر السوريين وجَلدَهم على محنتهم وغربتهم وتفرقهم, وهل
ستُغلق صفحة اللجوء والنزوح والشتات بالنسبة للسوريين, أم ستبقى الصفحة إلى أجل
غير مسمى ؟؟