JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

تسكّعات إلكترونيّة


بقلم أ. مصطفى طه باشا

سيطرت برامج الإنترنت على مفاصل الحياة, سيطرة مطلقة بلا منازع, فقد كانت الحقبة الزمنية قبل ثورة التكنولوجيا, آخر حقبة زمنية يعيشها البشر بشكل طبيعي, بعيدًا عن الغزو التكنولوجي والحداثة العلمية التي قيّدت البشر بشباكها, كالفريسة في شباك الصياد, التي لا حول لها ولا قوة.
فقد كان البشر في أوقات فراغهم, وعند شعورهم بالضيق والملل؛ يتجولون في الحيِّ أو فِي المدينة مع أصدقائهم, أو في المقاهي كي يستعيدوا نشاطهم وحيويتهم, أمَّا في يومنا هذا, فالإنسان يقوم بالتسكع الإلكتروني _ إنْ جاز التعبير_ بين برامج الإنترنت الكثيرة, التي غزت الأجهزة ( الهاتف النقال والكمبيوتر ) فقد سيطرت البرامج الإلكترونية والإنترنت على عقول البشر, وباتوا سجناء في منازلهم خلف الشاشات معظم وقتهم, ولم يعد التسكُّع محصوراً في أوقات الفراغ بل أصبح يشغل كل الأوقات.
وَالتَّسكُّعُ الإلكترونيُّ عدو خفيٌّ للإنسان فهو يحارب الإبداع ويقتل الطاقات ويبدِّدها بأشياء سطحية لا تسمن ولا تغني من جوع, فالوقت الذي يهدره الإنسان في التسكع الإلكتروني فإن أسرته ومجتمعه وذاته هي أحق فيه, فالشخص الذي يتسكع عبر الإنترنت لا يشعر بقيمة الوقت الذي يضيع منه, لأن همه وفكره بات التسكع عبر الإنترنت والبرامج الإلكترونية التي غزت وسيطرت على فكره وعقله وهو بدون وعي وإدراك أصبح مدمن عليها ولا يستطيع الابتعاد عنها.
وَمِن أهمِّ أضرار التسكع الإلكتروني قَتلُ الوقت دون جدوى فالشَّخص المدمن إلكترونيًا لا يستطيع إلا الدخول إلى الإنترنت في كل دقيقة وكأنه سيموت إن لم يفعل, والتنقل بين البرامج واحدًا تلو الآخر, وهذه البرامج أصبحت لا تُعَدُّ ولا تحصى, بسبب كثرتها وتنوُّعها ومعظمها تحمل نفس الهدف والغاية في قتل الوقت دون إنتاج شيء يفيد الشخص أو الأسرة أو المجتمع, ومن أضرار التسكُّع أيضًا خمول الفكر وقتل الإبداع, فالإنسان يشغل فكره وعقله بأشياء سطحية لا تتعدى البحث عن صداقات وعلاقات حبٍّ وتسلية في برامج من خصائصها هذه الأمور التي تجذب الشباب والبنات إليها, ولا ننسى الأضرار الأخرى, مثل الانعزال والابتعاد عن الأهل والجيران والتَّعب الجسدي مصاحب للعيون والجسد بشكل عام, وأهم ضرر قد يصيب المجتمع هو التأخر الدراسي لدى الطلاب.
وهذا الأمر خطير جدًا في المجتمع, ويجبُ وضع حلول وخطط لمحاربته والحدِّ منه قَدْرَ المستطاع, فالأسرة لها دورٌ كبيرٌ في ذلك, من خلال التَّوجيه والنَّصيحة والمتابعة المستمرة للأطفال في المنزل, وإشغالهم بأمور أخرى أكثر فائدة, بحيث يقومون بالرحلات والزيارات في أوقات الفراغ ووضع برامج لهم في المنزل ومتابعتها بشكل فعال, وأيضًا يقع على عاتق المدارس والمعلمين مهمة توجيه الطلاب وتنبيههم بشكل علمي إلى خطر إدمان الإنترنت ومحاولة وضع برامج بديلة تشغلهم في المنازل, من خلال واجبات وأبحاث عبر الإنترنت بحيث يكون استخدامهم له لإنتاج أشياء مفيدة, وأيضًا من أجل لفت انتباههم بأن الإنترنت له فوائد كثيرة, كما أن له أضراراً كثيرة.
وَهُنَا لا بدَّ من التذكير بصديقي أحمد, الذي كان مدمناً على الإنترنت بشكل رهيب, فقد كان لا ينام الليل من شدة تعلقه به, إلى أن شعر بالتعب الشديد والإرهاق وبعد توجيه النصائح له وتحدِّيه في الابتعاد عن الإنترنت, قرَّر عدم الدخول لبرامج الإنترنت لمدة أسبوع كامل, وكان هذا التحدِّي الأكبر في حياته فقد شعر وكأنه يحارب ذاته ورغباته واستطاع النجاح في التحدي وبعدها بات لا يستخدم الإنترنت كثيرًا, يقول أحمد: ” لقد تعبت كثيرًا من الإنترنت ولم أكن أستطيع النوم وكأنني كنت مسجوناً فيه, ولكن عندما قررت تركه شعرت بتحدٍّ كبير لذاتي واستطعت النجاح بفضل عزيمتي وإصراري” وهو بعد الابتعاد عن الإنترنت؛ بدأ بممارسة الرياضة بشكل يومي, وقراءة الكتب, وتنظيم رحلات أسبوعية لأماكن أثرية وتاريخية. يقول أحمد ” لم أكن أتصور بأن قراءة الكتب والرياضة ممتعة وجميلة وفي نفس الوقت مفيدة جدًا “.
وَكُلُّ إِنسَانٍ يَستطِيعُ النَّجاحَ, إذا عقد العزم والهمة نحو أمر ما, ولا يوجد شيء مستحيل في الحياة, لذلك لا تقل لا استطيع الابتعاد عن الإنترنت, ولا تجعله يتحكم في حياتك ويسيطر عليها, بل كن أنت المسيطر والمتحكم في حياتك ووقتك, واعقد العزم على تغيير برنامج يومك, وابدأ بممارسة أشياء جديدة بعيدًا عن التكنولوجيا والإنترنت.
الاسمبريد إلكترونيرسالة